حديث
(منتخب الأنوار في تاريخ الأئمة الأطهار(ع
أبو علي محمّد بن همّام بن سهيل الكاتب الاسكافي(336 ق)
تحقيق: عليرضا هَزار


13

التمهيد

لمحة من حياة المؤلف‏(1)

أبو عليّ محمد بن أبي بكر همّام بن سهيل الكاتب الإسكافيّ شيخ أصحابنا(2) المتقدّمين، ثقة جليل القدر عظيم المنزلة من أثبات المحدّثين و مصنّفيهم، ولد بدعاء الإمام العسكريّ(ع).
ويظهر من فهرست النجاشيّ (ص 15 و 177) أنّ اسم أبيه عليّ و أنّ همّاماً جدّه.
وترجمه الشيخ في رجاله بقوله:
محمّد بن همّام البغداديّ يكنى أبا عليّ، وهمّام يكنى أبا بكر، جليل القدر، ثقة، روى عنه التلعكبريّ، وسمع منه أوّلاً سنة 323، و له منه إجازة، و مات سنة 322. انتهى.
 

14

وقال في الفهرست (ص 141):
محمّد بن همّام الإسكافي يكنى أبا علي جليل القدر ثقة، له روايات كثيرة، أخبرنا بها عدّة من أصحابنا عن أبي المفضّل عنه.
وقال النجاشيّ في فهرست أسماء مصنفي الشيعة (ص 268):
محمد بن أبي بكر همّام بن سهيل الكاتب الإسكافيّ شيخ أصحابنا و متقدّميهم، له منزلة عظيمة، كثير الحديث، قال أبو محمّد هارون بن موسى(ره):حدّثنإ؛ گ‏گ محمّد بن همّام قال: حدّثنا أحمد بن ما بنداذ قال: أسلم أبي أوّل من أسلم من أهله، وخرج عن دين المجوسيّة، وهداه اللَّه إلى الحقّ، و كان يدعو أخاه سهيلاً إلى مذهبه، فيقول له: يا أخي، اعلم أنّك لا تألوني نصحاً، و لكنّ الناس مختلفون، وكلّ يدَّعي أنّ الحقَّ فيه، ولستُ أختارُ أن أَدخل في شي‏ء إلاّ على يقين، فمضتْ لذلك مدَّة و حجّ سهيل، فلمّا صدر من الحجّ قال لأخيه: الذي كنت تدعوني إليه هو الحقّ. قال: وكيف علمت ذلك؟ قال: لقيت في حجّي عبدالرزّاق بن همّام الصنعاني‏(3)، وما رأيت أحداً مثله، فقلت له على خلوة: نحن قوم من أولاد الأعاجم، و عهدُنا بالدخول في الإسلام قريب، وأرى أهله مختلفين في مذاهبهم، و قد جعلك اللَّه من العلم بما لا نظير لك فيه في عصرك، و أريد أن أجعلك حجّة فيما بيني وبين اللَّه عزّ و جلّ! فإن رأيت أن تبيّن لي ما ترضاه لنفسك من الدين لأتّبعك و أقلّدك، فَأظهَرَ لي محبّة آل رسول اللَّه(ص) و تعظيمهم و البراءة من عدوّهم و القول بإمامتهم.
 


15

قال أبو عليّ:
أخذ أبي هذا المذهب عن أبيه عن عمّه، وأخذته عن أبي.
قال أبو محمّد هارون بن موسى: قال أبو عليّ محمّد بن همّام: قال: كتب أبي إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ(ع) يعرّفه أنّه ما صحّ له حمل بولد، و يعرّفه أنّ له حملاً، و يسأله أن يدعواللَّه في تصحيحه و سلامته و أن يجعله ذكراً نجيباً من مواليهم.
فوقّع على رأس الرقعة بخطّ يده: قد فعل اللَّه ذلك، فصحّ الحمل ذكراً.
قال هارون بن موسى: أراني أبو عليّ بن همّام الرقعة و الخطّ، و كان محقّقاً.
وهو شيخ جليل ادّعي في حقّه أنّه لا يروي إلاّ عن الثقات، واستدلّ لهذه الدعوى بما ذكره النجاشي في حقّ جعفر بن محمّد بن مالك ابن عيسى بن سابور، حيث قال: كان ضعيفاً في الحديث. قال أحمد بن الحسين: «كان يضع الحديث وضعاً، و يروي عن المجاهيل» وسمعت مَن قال أيضاً: «فاسد المذهب و الرواية» و لاأدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو عليّ بن همّام، و شيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري رحمهما اللَّه؟!
ولو كان مِن دأبهما الرواية عن الضعيف لما كان للتّعجب مجال، فهما لا يرويان عن الضعيف، و بهذا يُستدلّ على أنّهما لا يرويان إلّا عن ثقة(4).
مؤلَّفاته: له كتاب الأنوار في تاريخ‏الأئمة(ع)، نصّ عليه النجاشي‏(5) و ابن شهر آشوب‏(6)، و ينقل عنه الشيخ حسين بن
 


16

عبدالوهّاب المعاصر للسيّد المرتضى في عيون المعجزات، و السيّد غياث الدين عبدالكريم بن أحمد بن طاووس المتوفّى سنة 692 في فرحة الغريّ‏(7)، وكان منتخبه عند العلّامة المجلسي‏(8).
و نسب إليه العلّامة المجلسي(ره) كتاب التمحيص من ذنوب المؤمنين، قال في المقدمة الاُولى: كتاب التمحيص لبعض قدمائنا، و يظهر من القرائن الجليّة أنّه من مؤلّفات الشيخ الثقة الجليل أبي عليّ محمّد بن همّام، و عندنا منتخب من كتاب الأنوار له‏(9).
الراوون عنه: يروي عنه جماعة من المشايخ الكبار، منهم:
1 - أبو محمد هارون بن موسى التلعكبريّ المتوفّى سنة 385.(10)
2 - محمد بن عبداللَّه بن محمّد بن عبيداللَّه بن البهلول بن المطّلب أبوالمفضّل الشيبانيّ‏(11).
3 - أبوالحسن أحمد بن محمّد بن عمران بن موسى بن الجرّاح، المعروف بابن الجندي‏(12).
4 - أبوالقاسم جعفر بن محمّد بن قولويه المتوفّى سنة 368.(13)
 


17

5 - محمّد بن أحمد بن داوود القميّ، شيخ القميّين في وقته و فقيههم المتوفى سنة 378.(14)
6- أبو حفص عمر بن محمّد بن عليّ الصيرفيّ، المعروف بابن الزيّات‏(15).
7 - مظفر بن محمّد البلخيّ الورّاق‏(16).
ولادته ووفاته: ولد في يوم الاثنين لستّ خلون من ذي الحجّة سنة 258، و توفّي يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقين من جمادى الآخرة سنة 336.

منهج التحقيق

اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب على النسخة الوحيدة المحفوظة في مركز إحياءِ التراث الإسلامى في قم برقم (290/5).
ولا توجد أيّ نسخة من هذا الكتاب في المكتبات، على ما بَحَثنا عنه.
راجعنا في بعض الأحيان إلى ما أورده العلاّمة المجلسي في بحارالأنوار، و ذكرنا موارد الاختلاف في الهامش.
و بعد الاستنساخ و المقابلة حاولت -حسب وسعي وجهدي- تخريج الأحاديث و الأخبار التاريخيّة، و شرح بعض الأخبار، و ذكر موارد الاختلاف في الأقوال التاريخية، و تبيين ما هو الأصحّ.
 

18

و لمّا كان الكتاب من الأصول القديمة المعتبرة، فقد روعيت عند تخريج رواياته و أحاديثه الدقّة في اختيار المصادر التي تكون قبل عصر المؤلف أو قريبة منه.
والحمد للَّه ربّ العالمين، و صلّى اللَّه على سيّدنا و نبيّنا محمد و أهل بيته الطيبين الطاهرين.


21

بسم اللَّه الرحمن الرحيم و به نستعين

الحمدللَّه رب العالمين، و لا حول و لاقوّة إلاّ باللَّه العلي العظيم.قال أبو علي محمّد بن همام بن سهيل(ره):
الحمد للَّه الذي عرّفنا نفسه بفضله، وعرّضنا لجزيل ثوابه بحكمته، و أراح علينا فيما (كلّفَنا) بعدله، و أنقذنا من الضلالة و العمى بمحمّد نبيّه(ص).
أمّا بعد، فإنّي قد رأيت المتقدّمين والمتأخّرين من شيوخنا قد عملوا في كلّ فنّ من علوم سادتنا(ع) كتاباً، وإنّي رأيتهم مع ذلك غفلوا أن يجردوا تاريخاً يُذكر فيه مبلغ سني الأئمّة الصادقين(ع) و أنسابهم و كناهم و أعمارهم و أسماء آبائهم الطاهرين و أمهاتهم (الطاهرات) و ألقابهم و أبوابهم و مواضع قبورهم و من استشهد منهم أو قتل، و من كان من الملوك في أيّامهم، فعلّقت فيه تاريخاً ملتُ (فيه) إلى الاختصار، و ترجمته بكتاب الأنوار، و أضفت إلى ذلك عدّة ولد رسول‏اللَّه(ص)، و ذكرت أسماءهم و كناهم و أعمارهم و بعض قصصهم. وفّقنا اللَّه لما يقرب منه و يزلف لديه؛ إنّه سميع الدعاء فعّال لما يشاء.

(الباب الاول : رسول اللَّه(ص))

أخبرني أحمد بن محمد بن عيسى الأشعريّ القميّ، عن عبداللَّه بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبداللَّه جعفر بن محمد الصادق(ع)، عن آبائهم صلوات اللَّه عليهم قال: مضى رسول اللَّه(ص) و هو ابن ثلاث و ستّين في سنة عشر من الهجرة؛(17) و كان مقيماً(18) بمكة أربعين سنة، ثم هبط عليه الوحي في تمام الأربعين، و كان بمكة ثلاث عشر سنة، هاجر إلى المدينة و هو ابن ثلاث و خمسين سنة، فأقام بالمدينه عشر سنين، و قبض في شهر ربيع الأوّل يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت منه‏(19).
يكنّى بأبي‏(20) القاسم(ص)؛ و أمّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة(21)؛ و قبره مشهور بالمدينة. و هو محمّد رسول اللَّه، و حبيب اللَّه، و
 

23

خاتم النبيين، و سيد المرسلين، و المصطفى و الأُمّي‏(22)(ص)(23)


24

ذكر ولد رسول اللَّه(ص)

روى أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن عبدالرحمن، عن عبداللَّه بن سنان، عن أبي بصير، عن أبي عبداللَّه جعفر بن محمد الصادق(ع) قال: ولدُ رسول اللَّه(ص) من خديجة(ع) من ذكور: عبداللَّه، و هو أوّل ولد ولد له، مات رضيعاً. و الطيّب و الطاهر، و ماتا صغيرين. و القاسم و به يكنّى، و عاش حتى مشى، و ولدُ خديجة من البنات: زينب‏(24) و هي أكبر ولده، ثم رقية(25)، ثم أُم كلثوم‏(26)، ثم فاطمة(ع) وهي أصغرهنّ‏(27).
و بابه(ص) عليّ بن أبي طالب(ع).(28)
 

25

و ولد له ((ص)) من مارية القبطيّة إبراهيم، ولد بالمدينة بعد ثمان سنين من مقدم رسول‏للَّه(ص)، و عاش اثنين و عشرين شهراً و ثمانية أيّام‏(29)؛ و أُمّ إبراهيم أهداها إلى رسول‏اللَّه ملك الاسكندريّة، و توفّيت بعد رسول‏اللَّه(ص) بخمس سنين‏(30).
 


26

فأمّا زينب بنت رسول اللَّه(ص)(31) فإنّ رسول‏اللَّه(ص) زوّجها أبوالعاص بن ربيع بن عبدشمس‏(32)؛ فلّما هاجر رسول اللَّه(ص) هاجرت معه إلى المدينة. و كان أبوالعاص أسر يوم بدر فمنّ عليه النبي(ص) وأطلقه من غير فداء. وأنت زينب الطائف، ثمّ أتت النبيَّ(ص) بالمدينة، فقدم أبوالعاص المدينة فأسلم. و ماتت زينب بالمدينة بعد مسير النبي(ص) إليها بسبع سنين و شهرين‏(33).
وولدت له أمامة؛ فتزوّجها أميرالمؤمنين(ع) بعد وفاة سيدة النساء فاطمة(ع)، وكانت أوصته بذلك قبل موتها(34).
أمّ كلثوم و رقية ابنتا رسول‏اللَّه(ص)؛ فأمّا أم كلثوم فاسمها آمنة، و تزوّجها عثمان بن عفّان، و لم يدخل بها حتى هلكت، فلمّا ساروا إلى بدر زوّجه رسول‏اللَّه(ص) رقيّة، و توفيّت(أم كلثوم) في شعبان سنة سبع‏(35).
فتزوّج عثمان رقية بالمدينة(36)، فجاءت يوماً رسول‏اللَّه(ص) تشكوما لقيت من عثمان، فقال رسول‏اللَّه(ص): ما أقبح بالمرأة تجرّ ذيولها تشكو زوجها!(37)


28

(الباب الثانى :) فاطمة بنت رسول‏اللَّه(ص)

فأما فاطمة بنت رسول‏اللَّه(ص)، فحدّثت الرواة عن أبي جعفر محمّد بن علي(ع) أنّ فاطمة(ع) وُلدت بعد ما أظهر اللَّه نبوّة نَبيّه(ص) و أنزل عليه الوحي بخمس سنين، و قريش تبني البيت‏(38).
و زوّجها رسول‏اللَّه(ص) من أميرالمؤمنين عليّ بن أبي‏طالب(ع) بعد مَقدمهم المدينة نحواً من سنة، وبنى بها بعد سنة؛ وكان مولدها(ع) بمكة بعد بعث النبي بخمس سنين‏(39).
و كانت تكنّى أمّ أبيها، و هي فاطمة الزهراء، والبتول، و الحصان، و الحوراء، و السيّدة، و الصدّيقة، و مريم الكبرى‏، و أمّ الأئمة، و أمّ الحسن، و أمّ الحسين‏(40).
 

29

و توفّيت(ع) و لهاثماني عشرة سنة و خمسة و سبعون يوماً(41).
و دفنت بالبقيع ليلاً، و لم يحضرها غير أميرالمؤمنين والحسن و الحسين و
 


30

العبّاس بن عبدالمطلب(ع)؛ و يقال: «دفنت بجانب قبر رسول‏اللَّه(ص)» و خبر البقيع أصحّ و أثبت‏(42).
فلمّا أصبح الناس قال بعضهم لبعض: يا قوم، تموت فاطمة بنت رسول‏اللَّه(ص) ولا نحضرها؟! فخرج الناس إلى البقيع يطلبون قبرها، وأظهر اللَّه في الموضع سبعين قبراً، لم يدروا قبرها من القبور، فرجعوا(43).
 


31

فأقامت بمكة ثمان سنين وبالمدينة عشر سنين، وبعد وفاة أبيها((ص)) خمسة وسبعين يوماً(44).
إنّها - سلام اللَّه عليها - ولدت الحسن(ع) بالمدينة و لها إحدى عشر سنة، بعد الهجرة بثلاث سنين؛(45)
و ولدت أمّ كلثوم، و سمّتها زينب الكبرى،(46) وأسقطت محسناً(ع)(47)؛ ويقال: لم يولد مولود لستة أشهر، غير عيسى بن مريم و الحسين(ع)(48).

(الباب الثالث :) أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع)

ولمّا قبض اللَّه نبيّه(ص) صار أمين اللَّه في أرضه ووليّ أمره أخوه عليّ بن أبي طالب(ع)، بوصيّة رسول‏اللَّه(ص)(49).
 

32

و اسمه المرتضى، وقائد الغرّ المحجّلين، و أميرالمؤمنين، والصدّيق الأكبر، والفاروق الأعظم، وقسيم النار، والوصي، و قاضي الدَّين، بحراللُّهى. وهو حيدرة، و صاحب اللّواء وأبوتراب، و الذائد عن الحوض، والأنْزَع البَطين، والكاشف الكرب، وباب الحطّة، وباب المقام، وحجّة الخصام، ودابّة الأرض، وصاحب العصاء، وسيّد النجباء، والمنهج الواضح، ونَقْدُ السبيل، و المحجّة البيضآء، والوفي، والحسنة، والمثل، والمُنفق، والمشتري نفسه، و الصهر، و الثلّة، وخيرالبريّة، وصالح المؤمنين، وحجّةاللَّه، والديّن، والذكر، والرَّبعة، والنعمة، والهادي، والأذان، والمؤذن، والجوار، والأنيس، والشاهد، والمنادي، والصادق، والصدّيق، والعالم، والشهيد، والوالد، والمؤمن، والعابد، والحامد، والسابح، والراكع، والساجد، والآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر، والحافظ لحدوداللَّه، والأعزّ، والتقيّ، والودود، والناصر لدين اللَّه، والشاهد لرسول‏اللَّه(ص)، والمولى، والبشرى، والشافع، والنفس، والصراط المستقيم، والشديد، والنور، والثواب، والمهدي، والسابق، والنعمة، والإمام، والقائد، والطريق المستقيم؛(50)
 


33

قال أبو عليّ محمّد بن همّام رحمة اللَّه عليه: ولأميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه أسماء كثيرة ولو لا خشيتي إطالة الكتاب لذكرتُها اسماً اسماً.
وولد أميرالمؤمنين(ع) بمكة بعد عام الفيل بتسعة وعشرين سنة(51).
 


34

و بُعث رسول‏اللَّه(ص) ولأميرالمؤمنين ثلاث عشرة سنة، ويقال: تسع سنين، ويقال: ثمان سنين، واللَّه أعلم‏(52).
واسم أبيه عبد مناف، ويكنّى أباطالب‏(53).
و أمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أسلمت و هي أوّل هاشميّة ولدت هاشميّاً، وتوفّيت(ع) بالمدينة، فكفّنها رسول‏اللَّه(ص) وصلّى عليها أربعين تكبيرة. فقيل: يا رسول‏اللَّه، كبّرت عليها ما لم تكبر لأحد. فقال: «حضرني أربعون صفاً من الملائكة، فكبّرت لكلّ صفّ تكبيرة». وألحدها بيده في قبرها، وقال: هذه أُميّ بعد أُميّ‏(54).
 


35

وكان(ع) في سني أيام أبي بكر سنتان وأربعة أشهر، وفي أيام عمر عشر سنين وثمانية أشهر، وفي أيام عثمان اثنتا عشرة سنة، وجاهد(ع) بعد ذلك خمس سنين مع معاوية وغيره، وشَهَرَ فيها سيفه، وجاهد عدوّه.
واستشهد في شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة؛ قتله عبدالرحمن بن ملجم -لعنه اللَّه- بالكوفة في مسجدها، ودُفن بالغريِّ في ظَهر الكوفة و قد كمل عمره خمس وستون سنة.(55)
وبابه(ع) سلمان الفارسيّ.(56)

ذكر ولد أميرالمؤمنين عليّ(ع)

ولد أميرالمؤمنين عليّ بن أبي‏طالب(ع) من فاطمة بنت رسول‏اللَّه(ص): الحسن والحسين(ع)، و محسن سقط، و زينب وأمّ كلثوم(ع)(57).
 

36

والعباس وجعفر وعثمان(وعبداللَّه) أمّهم أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة الكلابية.
وكان له عمر و رقيّة من أمّ حبيب التغلبية من سبي خالد وليد.
وكان له يحيى وعون من أسماء بنت عميس الخَثْعَميّة.
وكان له أبوبكر وعبيداللَّه وأمّهما الهملاء بنت مسروق.(58)
وكان له زينب الصغرى وأمّ كلثوم الصغرى لأمّ ولد.
وكان له خديجة وأُم هانئ وتميمة وميمونة وفاطمة لأُمّ ولد.
وكان له أُمّ الحسن ورملة و أمّهما أمّ شعيب المخزوميّة(59)(60)؛
وأعقب لأميرالمؤمنين(ع) من الحسن والحسين(ع) ومن محمد بن الحنفيّة ومن العباس وعمر.(61)
ومضى أميرالمؤمنين(ع) (وله) أربع حرائر؛ منهنّ: أُمامة بنت زينب بنت رسول‏اللَّه(ص)، وليلى التميمية، وأسماء بنت عميس الخثعمية، وأُمّ البنين الكلابية، وثماني عشرة أمّ ولد.(62)


37

(الباب الرابع : ) الحسن بن عليّ (ابن) أبي طالب

و لمّا استشهد أميرالمؤمنين(ع) صار أمين اللَّه في أرضه ووليّ أمره، ابنه الحسن بن عليّ بوصية أبيه.(ع)(63)
ويكنّى أبا محمد؛ ولقبه الزاهد؛ ويقال له: التقيّ، السيّد، الحجّة، الأمين.
وأمّه فاطمة بنت رسول‏اللَّه(ص).
ولد بالمدينة، وقد تقدّم ذكر مولده عند ذكر أُمّه ما أغنى عن إعادته. واستشهد(ع) في سنة خمسين الهجرة، بعد مضيِّ عشر سنين من ملك معاوية.(64)
وكان بذل معاوية لجعدة بنت الأشعث الكنديّ - وهي ابنة أُمّ فروة أخت أبي بكر بن أبي قحافة - عشرة آلاف دينار، و إقطاع عشرة ضياع من سقي سورا(65) و سواد الكوفة، على أن تسمّ الحسن(ع).
و قيل: إنّه سُقي برادة الذَّهب؛ وقال(ع): سقيتُ السمّ مرَّتين، وهذه الثلاثة. ولقد تقطّعتْ قطعة قطعة من كبده، ودفن بالمدينة في البقيع.(66)
فلمّا حضرته الوفاة دعا أخاه الحسين بن عليّ(ع) وقال له: يا أخي، إذا أنا متّ، فغسّلني و حنّطني و كفّنّي واحملني إلى جدّي رسول‏اللَّه(ص) حتى تلحدني
 

38

 إلى‏ جانبه؛ فبحقّ جدّي رسول‏اللَّه وأبي أميرالمؤمنين واُمّي فاطمة الزهراء(ع)، إذا صرت إلى قبر رسول‏اللَّه(ص) فإن تركوك فادفنّي فيه، وإن منعوك فباللَّه عليك يا أخي، وبحقّ جدّي وأمّي أن لا تخاصم أحداً! واردُدني فادفنّي بالبقيع.(67)
فلمّا توفّي، حمله الحسين(ع) حتى صار إلى قبر جدّه؛ و جاء مغيرة بن شعبة إلى عائشة وقال لها: لقد مات الحسن و قد حمله الحسين، حتى صار إلى قبر جدّه، وإن دَفَنَه معه لَيذهبنّ ذكر أبيك وذكر عمر إلى يوم القيامة.
فقالت: وما أصنع؟
قال: تركبين بغلتي، و تمنعين من أن يدفن معه.
فركبت بغلته وصارت إلى قبر رسول‏اللَّه(ص) فإذا بسرير الحسن(ع)، فمنعت من دفنه بمقام، فأراد بنوهاشم المجادلة، فقال الحسين(ع): «نشدتكم باللَّه إلاّ سكتّم! فإنّ أخي أوصاني بكذا و كذا»، فسكتوا و مضوا بالحسن و دفنوه بالبقيع.(68)
وكان مقامه مع النبي(ص) سبع سنين، ومع أبيه بعد النبي(ص) ثلانين سنة، وعاش بعد أبيه عشر سنين، وصار إلى كرامة اللَّه - عز وجل - وقد كمل عمره سبعاً
 


39

وأربعين سنة.(69) وبابه سفينة(70).

ذكر ولد الحسن بن عليّ(ع)

عبداللَّه، والقاسم، والحسين، وعقيل، والحسن، وزيد، وعمر، وعبداللَّه، وعبدالرحمن، وأحمد، وإسماعيل؛ وابنته أمّ الحسن فقط(71).

(الباب الخامس :) الحسين بن عليّ(ع)

و لمّا استشهد ولي‏اللَّه الحسن بن عليّ(ع)، صار أمين اللَّه في أرضه ووليّ أمره، أخيه الحسين بن عليّ(ع)، (بوصيّة من أخيه إليه).
و يكنّى أبا عبداللَّه؛ و لقبه السبط، وهوالشهيد، الرشيد، الطيّب، الوفيّ، التابع لمرضاة اللَّه، الدليل على ذات اللَّه.(72)
ولد بالمدينة، وقد تقدّم ذكر مولده، عند ذكر أُمّه ما أغنى عن الإعادة. وكان في سني إمامته بقية ملك معاوية، وأوّل ملك يزيد.(73)
و قتله عمر بن سعد بن أبي وقّاص وسنان بن أنس النخعي، وأمير الجيش عبيداللَّه بن زياد، وجّه به يزيد بن معاوية؛ فدفن بكربلاء بالعراق، فكان قتله يوم عاشوراء سنة ستين و هو ابن سبع و خمسين سنة.(74)
 

40

فكان مقامه مع النبيّ(ص) سبع سنين، ومع أبيه بعد النبي(ص) ثلاثين سنة، ومع أخيه بعد أبيه عشر سنين، وبعد أخيه أيام إمامته إحدى عشر سنة، وصار إلى كرامة اللَّه - عزّ وجلّ - وقد كمل عمره سبعاً وخمسين سنة.(75) وبابه رشيد الهجريّ.(76)

ذكر ولد الحسين بن عليّ(ع)

عليّ الأكبر الشهيد مع أبيه؛ و عليّ الإمام سيد العابدين؛ ومحمد، وعبداللَّه الشهيد معه؛ و جعفر(ع).
وبنات الحسين بن عليّ(ع): زينب، وسكينة وفاطمة(77) عليهنّ السلام.(78)

41

(الباب السادس : ) عليّ بن الحسين(ع)

ولمّا استشهد وليّ اللَّه الحسين بن عليّ(ع)، صار أمين اللَّه في أرضه و وليّ أمره عليّ (بن الحسين(ع)) بوصيّة من أبيه إليه.(79)
ويكنّى أبا محمّد؛ ويقال: كنيته أبوالحسن؛ و يقال: أبوبكر؛ والأوّل الأشهر والأثبت.
ولقبه ذوالثفنات‏(80)؛ و هو زين العابدين الزكيّ.(81)
وكان مولده بالمدينة في سنة ثمان وثلاثين من الهجرة، قبل أن يستشهد أميرالمؤمنين((ع)) بسنتين، وأقام مع جدّه أميرالمؤمنين(ع) سنتين ومع أبيه وعمّه عشر سنين، واستشهد وليّ‏اللَّه وله أربع و خمسون سنة.(82)
 

42

وأمّه يقال لها شاه زنان بنت ملك قاشان، ويقال بنت ملك هرات‏(83)، ويقال بنت كسرى يزدجرد. وكلّ هؤلاء الملوك يفخرون بها، وكانت تدعى سيّدالنساء.(84) (85)
قال ابن همّام: حدّثني القاسم بن أحمد الكاتب قال: حدّثني محمد(86) بن القاسم النوشجاني قال: سألت الرضا(ع) عمّا روته العامّة أنّ عليّ بن الحسين(ع) زوّج أمّه! قال: معاذ اللَّه! إنّ أُمّ عليّ (بن الحسين)(ع) ماتت في نَفَسها، فكفّل عليّاً بعض أُمّهات ولد أبيه، فكان يسمّيها أُمّي، و هي التي زوّجها.(87)
وكان في سني إمامته، بقية ملك يزيد بن معاوية، وملك مروان بن الحكم، وملك عبدالملك بن مروان، وملك وليد بن عبدالملك؛ و في ملك الوليد قبض وليّ‏اللَّه عليّ بن الحسين((ع)) ودفن بالمدينة مع عمّه الحسن(ع).
وصار إلى كرامة اللَّه - عز وجل - وهو ابن سبع وخمسين سنة، في تمام خمس وتسعين سنة من الهجرة؛ و عاش بعد الحسين(ع) خمساً وثلاثين سنة(88).
وبابه يحيى بن أُمّ‏الطويل المدفون بواسط، قَتَلَه الحجاج، ويقال: بابه أبوخالد الكابلي‏(89)، واللَّه أعلم.


43

ذكر ولد عليّ بن الحسين(ع)

محمد الباقر ((ع))، و زيد الشهيد بالكوفة، و عبداللَّه، و عبيداللَّه، والحسين، وعليّ، وعمر(ع). ولم تكن له بنت.(90)

(الباب السابع : ) محمّد بن علي الباقر(ع)

و لمّا قبض وليّ اللَّه عليّ بن الحسين(ع) صار أمين اللَّه في أرضه ووليّ أمره ابنه محمّد، بوصية أبيه إليه.(91)
و يكنّى أباجعفر؛ ولقبه الباقر، لأنّه يبقر علم الدين بقراً؛ و يُدعا الشبيه، لأنّه يشبه رسول‏اللَّه(ص)؛ وأمّه فاطمة بنت الحسن بن عليّ‏(92).
وكان مولده بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة، قبل أن يقتل الحسين
 

44

بن عليّ(ع) بثلاث سنين؛ وعاش بعد أبيه تسع عشرة سنة، وذلك أيّام إمامته.(93)
وكان في سني إمامته بقيّة ملك الوليد، ومُلك سليمان بن عبدالملك، وملك عمر بن عبدالعزيز، وملك يزيد بن عبدالملك، وملك هاشم بن عبدالملك، وملك وليد بن يزيد، وملك إبراهيم بن الوليد بن عبدالملك؛ وفي أوّل ملكه قبض وليّ اللَّه. ودفن بالمدينة بالبقيع مع أبيه، سنة أربع عشرة ومائة من الهجرة؛ فصار إلى كرامة اللَّه - عز وجل - وقد كمل عمره سبع و خمسون سنة.(94) و بابه جابر (بن يزيد) الجعفيّ الكوفيّ.(95)


45

ذكر ولد محمد بن عليّ(ع)

جعفر الإمام الصادق(ع) ، و عليّ ، و عبداللَّه، و إبراهيم.و ابنته أُمّ سلمة فقط.(96)
قال أبو عليّ ابن همّام(ره) : روي عن أبي عبداللَّه(ع) قال: أتى عليّ بن الحسين زين العابدين بابنه محمّد جابرَ بن عبداللَّه الأنصاري فقال: سلّم على عمّك جابر! فأخذه جابر، فقبّل بين عينيه و ضمّه إلى صدره. و قال له: هكذا أوصاني رسول‏اللَّه(ص) و قال لي: يا جابر، يولد لعليّ بن الحسين زين العابدين ولد يقال له محمّد، فإذا رأيتَه يا جابر، فاقرأهُ منّي السّلام؛ واعلم يا جابر، أنّ بقاءك بعد رؤيته قليل. قال: فعاش جابر بعد أن رآه يسيراً و مات رضي اللَّه عنه.(97)

46

(الباب الثامن : ) جعفر بن محمّد الصادق(ع)

ولمّا قبض وليّ اللَّه محمّد بن عليّ((ع)) صار أمين اللَّه ووليّ أمره ابنه جعفر بن محمد(ع)، بوصيّة أبيه إليه.(98)
ويكنّى أبا عبداللَّه؛ ولقبة الصادق، الفاضل، الطاهر.
وأمُّه أمّ فروة، واسمها فاطمة ابنة القاسم بن محمّد.(99)
وكان مولده بالمدينة سنة ستٍّ وثمانين من الهجرة؛ وأقام مع جدّه عليّ بن الحسين((ع)) اثنتي عشرة سنة، وأقام مع أبيه أبي جعفر((ع)) تسع عشرة سنة، وبعد أبيه(ع) أيام إمامته أربعاً وثلاثين سنة.
فكان في سني إمامته ملك إبراهيم بن الوليد، ومُلك مروان بن محمّد الحمار، ثمّ صارت المسوّدة من أهل خراسان مع أبي مسلم سنة اثنتين وثلاثين ومائة، فملك أبوالعباس السفّاح أربع سنين وثمانية أشهر، ثمّ ملك أخوه أبوجعفر عبداللَّه الملقّب بالمنصور إحدى‏ وعشرين سنة وأحد عشر شهراً، وبعد مضيّ سنين من ملكه قبض وليّ اللَّه جعفر بن محمد(ع) سنة ثمان وأربعين ومائة؛ ودفن مع أبيه و جدّه (وعمّه الحسن(ع)) بالبقيع، وصار إلى كرامة اللَّه عزّ وجلّ، وقد كمل عمره خمساً وستّين سنة.(100) وبابه المفضّل بن عمر.(101)

47

ذكر ولد جعفر بن محمّد(ع)

إسماعيل، وموسى الإمام، ومحمّد، و عليّ، وعبداللَّه، وابنته أُمّ فروة، وهي التي زوّجها من ابن عمّه الخارج مع زيد بن عليّ بن الحسين(ع).(102)

(الباب التاسع : ) موسى بن جعفر(ع)

ولمّا قبض وليّ اللَّه جعفر بن محمّد الصادق(ع)، صار أمين اللَّه في أرضه ووليّ أمره ابنه موسى بن جعفر(ع)، بوصية أبيه إليه.(103)
ويكنّى أبا الحسن، وأبا إبراهيم؛ و الثاني أثبت. ولقبه العبد الصالح، وهو الوفيّ، والصابر، والكاظم، ويقال: الأمين.(104)
 

48

وأمّه حميدة بنت صاعد البربريّ، ويقال: إنّها أندلسيّة وهي أمّ ولد(105).
ولد بالمدينة سنة تسع وعشرين ومائة؛ فكان في سني إمامته بقيّة مُلك منصور، ثمّ ملك محمد المهديّ عشر سنين وشهراً وأياماً، ثمّ ملك ابن المهديّ موسى‏ المعروف بالهادي سنةً وخمسة عشر يوماً، ثمّ ملك هارون بن محمّد (المهديّ) المعروف بالرشيد ثلاثاً وعشرين سنة وشهرين وسبعة عشر يوماً، وبعد مضيِّ خمس عشرة سنة من ملك الرشيد استشهد وليّ‏اللَّه موسى بن جعفر مسموماً، سنة ست وثمانين ومائة من الهجرة.(106)
ويقال: إنّه وجّه إليه الرشيد بالشهود ليشهدوا عليه بتجرّد وجهه عن العلّة والأثر. فلمّا دخلوا عليه قال(ع): يا فلان بن فلان، و يا فلان بن فلان، إنّي سقيت السمّ في يومي هذا، ويصفرّ بدني غداً أو يحمرّ، و بعد غد يسودّ وأموت. فانصرف الشهود من عنده، فكان كما قال لهم.(107)
 


49

وكان مقامه مع أبيه تسع عشرة سنة، وأيام إمامته خمساً وثلاثين سنة، ودفن ببغداد بالجانب الغربيّ في المقبرة المعروفة بمقابر قريش من باب التين، فصار إلى كرامة اللَّه عزّ وجلّ وقد كمل عمره أربعاً و خمسين سنة.(108)
وبابه محمّد بن الفضل.(109)

ذكر ولد موسى بن جعفر(ع)

عليّ بن موسى الرضا(ع) الإمام، وإبراهيم، وعقيل، وهارون، والحسن، والحسين، وعبداللَّه، وإسماعيل، ومحمّد، وأحمد، وجعفر، ويحيى، وإسحاق، والعباس، وحمزة، وعبدالرحمان، والقاسم، و زيد.
وبناته: خديجة، واُمّ فروة، وأسماء، وعليّة، وفاطمة(110)(الكبرى)،
 

50

وفاطمة(الصغرى)، أمّ كلثوم، وكلثوم(كلثم)، وزينب، وأمّ عبداللَّه، و زينب(الصغرى)، و أُمّ القاسم، وحكيمة، وأسماء(الصغرى)، ومحمودة، وأمامة، وميمونة.(111)

(الباب العاشر:) عليّ بن موسى الرضا(ع)

ولمّا استشهد وليّ اللَّه موسى بن جعفر(ع) صار أمين اللَّه في أرضه ووليّ أمره ابنه عليّ بن موسى(ع)، بوصيّة أبيه إليه.(112)
و يكنّى أباالحسن؛ ولقبه: الرضا(113)، الصابر، الوفيّ.
وأمّه أمّ ولد، يقال لها: سكن النوبيّة. ويقال لها: الخيزران المرسيّة. ويقال صقر، وتسمّى أروى أمّ البنين، واللَّه أعلم بذلك.(114)
 

51

وكان مولده بالمدينة سنة ثلاث و خمسين ومائة (من) الهجرة؛ بعد وفاة جدّه أبي عبداللَّه(ع) بخمس سنين؛ فكان في سني إمامته بقيّة ملك الرشيد، ثمّ مَلك محمد بن هارون الأمين وهو ابن زبيدة بعد ثلاث سنين وثمانية عشر يوماً، ثم خُلع محمّد بن زبيدة، وأُجلس مكانه عمّه إبراهيم بن شكلة أربعة عشر يوماً، ثمّ أخرج محمّد بن زبيدة ثانية وبويع له، وبقي بعد ذلك سنة وسبعة أشهر، ثمَّ ملك المأمون عبداللَّه بن هارون بعده عشرين سنة وثلاثة وعشرين يوماً، وأخذ البيعة في ملكه للرّضا(ع) بعهد المسلمين من غير رضى؛ وقبض(ع) بطوس من أرض خراسان يوم الجمعة في شهر رمضان سنة اثنين و مائتين، فكان مقامه مع أبيه موسى(ع) تسعاً وعشرين سنة وستّة أشهر، وعاش بعد أبيه في أيّام إمامته عشرين سنة، واستشهد بطوس، وصار إلى‏ كرامة اللَّه تعالى‏ وعمره تسع و أربعون سنة وستة أشهر.(115)
عن عبداللَّه بن بشير قال: أمرني المأمون أن أُطوّل أظفاري عن العادة ولا اُظهر لأحد ذلك ففعلت، ثم استدعاني فأخرَج إليَّ شيئاً شبهَ التمرِ الهِنديّ وقال لي:
 


52

اعجِن هذا بيديك جميعاً ففعلت، ثمّ قام وتركني. فدخل علي الرضا(ع) فقال له: ماخَبرُك؟ قال: «أرجو أن أكون صالحاً» قال له: أنا اليوم بحمد اللَّه أيضاً صالح، فهل جاءك أحدٌ من المترفّقين في هذا اليوم؟ قال: «لا» فغضب المأمون وصاح على غلمانه: ثم قال: خُذْ ماء الرمّان الساعة، فإنّه ممّا لا يُستَغْنى عنه، ثم دعاني فقال: ائتنا برمّان فأتيتُه به. فقال لي: اعصره بيديك، ففعلت، وسقاه المأمون الرضا(ع) بيده، فكان ذلك سبب وفاته، فلم يلبث إلاّ يومين حتّى مات (ع).(116)
وحدّثني أبوالحسن بإسناده قال: قال الرضا(ع) مرّاتٍ: أنا والرشيد كهاتين - وضمَّ إصبَعيه: السبّابة والوسطى - فلم نَدْرِ ما قال، ومنعتني هيبته أن أسأله حتّى مات صلوات اللَّه عليه، فدفن في جانب الرشيد.(117)
وفيه يقول دعبل بن عليّ الخزاعي(ره):

قَبرانِ في طُوسَ: خَيْرُ النّاسِ كُلِّهِمُ
وقَبْرُ شَرِّهِمُ؛ هذا مِن العِبَر
ما يَنْفَعُ الرِّجْسَ مِن قُرْبِ الزّكيِّ و ما
على الزَّكيِّ بِقُرْبِ الرِّجْسِ مِن ضَرَرِ(118)

ذكر ولد الإمام أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا(ع)

محمد بن علي الإمام أبوجعفر(ع)(119)

53

(الباب الحادى عشر:) أبو جعفر محمد بن عليّ(ع)

ولمّا استشهد وليّ‏اللَّه عليّ بن موسى(ع)، صار أمين اللَّه في أرضه ووليّ أمره ابنه محمّد بن عليّ، بوصية أبيه إليه.(120)
ويكنّى أبا جعفر؛ ولقبه الزَّكي؛ ويقال: المرتضى، القانع، الرضيّ.
وأمّه أمّ ولد تسمّى ب (ريحانة) و تكنّى أمّ الحسن؛ ويقال: إنّ اسمها خيزران، واللَّه أعلم بذلك.(121)
وكان مولده((ع)) بالمدينة سنة خمس وتسعين ومائة من الهجرة(122)، و كان في سني إمامته بقية ملك المأمون، ثم ملك إبراهيم المعتصم، ثم ملك هارون الواثق
 

54

وهو الذي بنى مدينة سرّ من رأى، وفي ملك الواثق‏(123) استشهد وليّ‏اللَّه محمد بن علي((ع)) سنة مائتين وعشرين من الهجرة.(124)
وروي أنّ امرأته أمّ الفضل بنت المأمون سمّته في فرجه بمنديل، فلمّا أحسَّ بذلك قال لها: بلاك اللَّه بداء لا دواء له، فوقعت الآكلة في فرجها، و كانت ترجع إلى الأطباء ويشيرون بالدواء عليها فلا ينفع ذلك، حتّى ماتت من علّتها.(125)
وكان مقامه مع أبيه الرضا(ع) سبع سنين وأربعة أشهر ويومين، وبعد أبيه أيام إمامته ثماني عشرة سنة إلاّ عشرين يوماً. ودفن ببغداد في مقابر قريش إلى جنب جدّه موسى بن جعفر(ع).
وصار إلى كرامة اللَّه تعالى وقد كمل عمره خمساً وعشرين سنة وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوماً.(126)
 


55

وكان بابه عثمان بن سعيد السمّان.(127)

(الباب الثانى عشر:) عليّ بن محمد العسكرى(ع)

ولمّا استشهد وليّ اللَّه محمّد بن عليّ صار أمين اللَّه في أرضه ووليّ أمره عليّ بن محمّد ابنه بوصية من أبيه.(128)
ويكنّى أبا الحسن، ولقبه النجيب، المرتضى، النقيّ.
وأمّه أمّ ولد، ويقال، لها: السيّدة أمّ الفضل، ويقال: سمانة المغربية، واللَّه أعلم بذلك.
وكان مولده بالمدينة(129) لثلاث عشرة ليلة مضت من رجب سنة أربع عشرة ومائتين؛
 

56

وكان مقامه مع أبيه ستّ سنين وخمسة أشهر، وعاش بعد أبيه أيّام إمامته ثلاثاً وثلاثين سنة وشهوراً؛ فكان في أيام إمامته بقية ملك الواثق، ثمّ ملك جعفر المتوكّل، و ملك ابن المتوكّل، ثمّ ملك أحمد المستعين ابن المعتصم، ثم ملك الزبير ابن المتوكل وهو المعتزّ، وفي آخر ملكه استشهد وليّ اللَّه مسموماً سنة أربع وخمسين ومائتين من الهجرة.(130)
قال إبراهيم بن همّام: حدّثني جماعة من أصحابنا: مات أبوالحسن(ع) في يوم الاثنين لثلاث ليال بقين من جمادى الآخرة نصف النهار، وليس عنده إلاّ ابنه أبو محمّد ((ع)).(131)

(الباب الثالث عشر:) أبو محمد الحسن بن علىّ(ع)

ولمّا استشهد وليّ اللَّه عليّ بن محمّد(ع) صار أمين اللَّه ووليّ أمره ابنه الحسن بن عليّ بوصية أبيه.(132)
ويكنّى أبا محمّد، ولقبه الهادي الزَّكي.
وأمّه أمّ ولد يقال لها: سوسن، ويقال: حديث. واللَّه أعلم.
وكان مولده بسرّ من رأى، سنة إحدى وثلاثين ومأتين من الهجرة. وأقام مع أبيه ثلاثاً وعشرين سنة، وبعد أبيه أيام إمامته ستّ سنين، وكان في سني إمامته بقية أيّام المعتز، ثَمّ ملك المهتدي، والمعتمد، وبعد مضيّ خمس سنين من ملك
 

57

المعتمد قُبض(ع) ويقال: استشهد وليّ‏اللَّه.(