الإمام الخوئي (قدس سرّه) زعيم الحوزة العلمية |
الشيخ مسلم الداوري |
حياة سماحة الاستاذ الشيخ مسلم الداوري
بعد أن اكملت الدراسة الابتدائية دخلت الحوزة في مدينة اصفهان في مدرسة (تيم أور) وأتممت العلوم العربية حتى وصلت الى المعالم في مدة خمسة اعوام بعد ذلك تشرفت في السكن في مدينة النجف الاشرف وشرعت بالتدريس هناك وكان اول ما حضرت في البحث الخارج هو تشرفي في حضور درس السيد الاستاذ(قدس سرّه) حيث استفدت من محضره الشريف الى اخر دورة فقهاً واصولاً حيث اكملت بالمقدار الذي القاه فكانت دورة اصولية وفقهاً في الصلاة الى اخر ابحاثه (قدس سرّه) بحيث كنا في النجف الاشرف ندرس الخارج ونحضر بحث السيد(قده)
وفي نظري ان المرجعية للسيد الخوئي كانت بعد وفاة آية الله العظمى السيد عبد الهادي الشيرازي (رحمة الله عليه) في عصر السيد الحكيم فان السيد (قدس سرّه) عندما صلّى على جثمان السيد الشيرازي (قدس سرهما) توجه الناس الى السيد الخوئي(قدس سرّه) في التقليد سواء في النجف الاشرف او غيرها من البلدان فانقسمت المرجعية بين السيد الحكيم والسيد الشاهرودي والسيد الخوئي(قدس سرّه) نعم بعد رحلة السيدين السيد الحكيم والسيد الشاهرودي انحصرت المرجعية بالسيد الخوئي(قدس سرّه) .
أمّا لقب زعيم الحوزة العلمية يعني ان الحوزة تكون دائرة مدار وجوده الشريف وهذا اللقب كان من جهة اهمية التدريس وتربية الطلاب والفضلاء الذي حضت به مدرسة السيد الخوئي(قدس سرّه) في السنوات الطويلة بحيث انها تُعد اول حوزة من جهة الكم والكيفية والتعمق من سائر الحوزات ورغم كثرة الدروس صارت هذه الحوزة مداراً للبحوث العلمية ولذلك لقب بهذا اللقب.
اما تواضعه ففيه كلام كثير ومع ان السيد (قدس سرّه) كان ذا هيبة ومعنوية وعلمية عظيمة لكن مع ذلك كانت معيشته على مستوى عال من التواضع فانه (قدس سرّه) لم تكن زياراته وملاقاته محتاجة الى سبق موعد فكل شخص يمكنه ان يلاقي السيد سواء كان من الطلبة او انساناً بسيطاً فقيراً فالكل يجلس معه ويسأله عما يريد ، وكذا يرى في بعض الاحيان وهو يتكلم مع بعض الخدام حتى في الطريق فتواضعه وبساطته في المعيشة كانت بمستوى عالٍ من جهات متعددة، وكان يرى من الصمود في مقابل الطلبة ووجوب حفظ التشيع والحوزة العلمية، وكان (قده) يرى ان للذل دوراً سينتهي وأن النصر للمؤمنين.
وكانت هناك كوكبة تحيط بالسيد الخوئي(قدس سرّه) اما الذين تعاونوا مع السيد في امور المرجعية ـ هذه الكوكبة ـ تقسم الى ثلاث لجان:
1- الاستفتائية .
2- التحقيقية.
3- الامور المالية. والامور المتعلقة بالطلبة.
اما لجنة الاستفتاء فهي مؤلفة من السيد آية الله مرتضى البهشتي والسيد آية الله مرتضى الخلخالي وآية الله الشيخ الفيّاض، وبعد اعتقال السيد الخلخالي وبعد الانتفاضة شغل مكانه الشهيد آية الله الشيخ البروجردي والشيخ النائيني.
اما لجنة التحقيقات في علم الرجال فكانت مؤلفة من عدة اشخاص الاول آية الله السيد التقوي الذي لايزال في النجف الاشرف (حفظه الله) والاخر حجة الاسلام والمسلمين الشيخ الهاشميان (فرج الله عنه) الذي لازال معتقلاً والثاني كنت أنا معهم .
اما لجنة الامور المالية فتتألف من عدة اشخاص منهم حجة الاسلام فخر الدين الزنجاني والعلامة الكاظمي وكذلك السيد النقشواني والسيد الكركي , وعدة اشخاص اخرين.
وأمّا الكوكبة من التلاميذ فهم كثيرون يصعب عدهم ولكن المعروف منهم والذين كانوا يقومون بتدريس البحث الخارج في النجف آية الله السيد السيستاني(حفظه الله) وآية الله الشيخ اسحاق الفياض وآية الله الشيخ بشير الباكستاني.
اما في قم فهم كثيرون منهم آية الله الشيخ الوحيد الخراساني وآية الله الشيخ جواد التبريزي وآية الله السيد تقي القمي وآية الله السيد صادق الروحاني وآية الله السيد الكوكبي وآية الله السيد المرعشي وآية الله السيد محمد الرجائي وآية الله السيد محمد علي ابطحي وآية الله الشيخ المروجي والشيخ الايرواني والشيخ النائيني فهؤلاء الان منشغلون في تدريس البحث الخارج وغيرهم كثيرون وكذلك في مشهد المقدسة آية الله الفلسفي وآية الله الشيخ الشاهرودي والشيخ المرواريد والسيد العياضي وغيرهم وكذلك في حوزات غير النجف وقم ومشهد فهناك كثيرون في بيروت وغيرها من البلدان.
والسيد كان من المجاهدين وله مواقف جادة وقوية في هذه الموارد ، في بدء الثورة الإسلامية كان له مواقف مؤيدة في حينها منها اصداره للبيانات الخاصة والخطابات المهمة في هذا المجال حيث كانت لـه مع زعيم الثورة الامام الخميني(قدس سرّه) علاقة قوية بحيث ان السيد الخوئي(قدس سرّه) هو أول مرجع زار السيد الخميني عندما تشرف بقدومه للنجف الاشرف فاستقبله وزاره وكان بينهما صلة وعلاقة ممتازة وكذلك في الآونة الاخيرة لما نجحت الثورة الإسلامية اوصى السيد الخوئي(قدس سرّه) أصحابه أن يشاركوا في مناسبات الثورة الإسلامية وأن يولوها اهتماماً كبيراً مع التأييد المطلوب لها والحفاظ عليها.
واحدى القضايا في هذا المجال أن الحكومة العراقية كانت تطلب منه في سنوات الحرب التحدث عن النظام الاسلامي والجمهورية الإسلامية فلم يتحدث ولا بكلمة واحدة وكان يعلمهم أنه بعيد عن السياسة وأنه منشغل بأمور الحوزة العلمية وقضايا المرجعية رغم ما اشاروا إليه في مواجهة مصاعب الاعدامات والاعتقالات التي قد تطال رجال الحوزة العلمية، ورغم هذا فلم يستسلم لذلك وعلى ضوء ذلك بعث مجلس الثورة مندوباً عنه وهو مدير الامن العام حيث قال للسيد إن ابتعادكم عن السياسة هذا امر جيد ولكن انتم ذكرتم في رسالتكم العملية أنه من الواجب القيام بالاصلاح بين فئتين مسلمتين اذا اقتتلتا ونحن نطلب منكم كتابة ذلك وتحديده فالسيد هنا لم يجبهم أي جواب وجاء إلىّ بعض الفضلاء ومنهم السيد الشهيد محمد تقي الخوئي(قده) حيث اجتمعنا هناك في مسجد الخضراء، وطرح علينا السيد هذه القضية وكنا نواجه امرين اما القتل والشهادة واما ان نكتب لهم ما يريدون فماذا انتم صانعون قال السيد الشهيد محمد تقي الخوئي(قدس سرّه) انا ارى أن طلب الشهادة افضل من العيش ذلاً تحت مطرقة النظام الجائر فقال له السيد الخوئي(قدس سرّه) وانا أرى ما ترى فاستقر رأي الجميع على ما اقترحه السيد الشهيد (قدس سرّه) فأجاب السيد الخوئي(قدس سرّه) مدير الامن بالنفي وعدم كتابة ما يضر بمصلحة الثورة الإسلامية رغم ما واجهه السيد من التهديد والذي كان اشد من التهديد ، وهذا الموقف نراه ظاهراً في جميع الامصار المحتاجة سواء في فلسطين او في حرب الكويت ففي جميع هذه المواقف كانت له مع المسلمين مواقف شديدة وقوية حيث كان يدعم الحركات الرسالية.
ولو رجعنا إلى علميته فكان يحصى آراء أساتيذه النائيني وكذلك آراء الكمباني ولذلك نرى أنه في مجالاته العلمية قلما لم ينقل آرائهما فيعبر عن النائيني بشيخنا الاستاذ ورأي المحقق الاصفهاني كذلك وبعد ذلك اما ان يختار واما ان يرد عليهما رداً قوياً وجميلاً هذا من جهة امتدادية مدرسته(قدس سرّه) لمدرسة اساتذته.
واما اهم مواصفات مدرسته(قدس سرّه) فأنه كان أولاً ينقل الآراء ببيان واضح رائع وثانيا اذا كان هناك مورد للاشكال يرد عليهما رداً قوياً وجميلاً ، واما الثالث فقد كان له إشكاله في الفكر متجنباً عن الشذوذ وهذه أهم مواصفات مدرسته (قدس سرّه) في نظري.
والسيد الخوئي(قدس سرّه) كان معروفاً أنه باهتمامه بأمرين الاول بالنسبة للمسائل العلمية والاحكام الدينية والثاني بالنسبة للمسائل المالية ، فقد يقال ان السيد لا يهتم بامر يمثل هذين الامرين ففي المسائل المادية ايضا كان هو يتصدى للحسابات حيث كانت الامور بيده واذكر من السيد حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد تقي الخوئي(قدس سره) انه كان يذكر بان السيد في حساب انه رأى اشتباهاً حصل في الحساب بمقدار خمسة او ثمانية دنانير فاتصل بي مرات ان هذا المقدار حصل فيه اشتباه في الحساب فرأيت ان السيد لا ينام اذا لم تحل هذه المشكلة فركبت السيارة وجئت إلى السيد وقلت له نعم حصل اشتباه في الحساب واعطيت هذا المقدار من جيبي لغرض ان ينام السيد(قدس سرّه).
هكذا كان اهتمامه بالامور المالية فكان كل حق يضعه في مكانه فسهم الإمام وسهم السادات ورد المظالم كل في مكانه حتى يصرفه في مورده ومع ذلك كان له احتياط شديد في هذه الموارد فكان يفرح كثيراً اذا صرف المورد في محله ، ومع ذلك كان يأخذ وكالة أيفاء من السادة وغيرهم في صرفها في محلها احتياطاً فكنا في مجلسه(قدس سرّه) وكان هناك الشهيد الشيخ البروجردي فاستئذن منا بالوكالة إيفاء فيثبت من ذلك انه كان شديد الاحتياط وكثير الاعتناء بهذه الامور.
اما لو رجعنا إلى دور الشهيد السيد محمد تقي الخوئي(قدس سرّه) في حياة والده (قدس سرّه) الظاهر أنه كان منشغلاً بالتحصيل ولكن بعد ذلك اصبح محوراً لمتابعة الامور وصار مشاوراً قوياً وشجاعاً لمرجعية والده وكان هو السبب في ازدياد الشهرية للطلبة ، وكذلك له اهتمام بالتحقيقات ولقاءات الناس بالسيد وهكذا في كل المجالات العلمية والاجتماعية فكما قلنا كان محوراً قوياً.
ونعود إلى السيد الخوئي(قدس سرّه) في مجالاته العلمية ومنها تفسير القرآن (البيان) فكان يتأسف من عدم تكملته للتفسير وهذا ما رأيناه منه(قدس سرّه) ونقل عنه بعض الاصحاب انه يقول اذا كان لي فرصة ولم تشغلني وظائف المرجعية فأحب أن اجلس في مكان فارغ واكمل التفسير ، فالظاهر أنّ المرجعية كانت سبباً في عدم اتمامه للتفسير، فمن هذا الكلام نرى انه لم ير بديلاً عن تفسيره حيث كان يرى ان التفاسير الاخرى غير وافيه.
اما عن علم الرجال فان مبانيه الرجالية يشير اليها في بحث درسه وكذلك ما ظهر منها في صفحات المعجم حيث كان ينوه للآراء الرجالية.
واما من جهة فهمه العرفي للروايات فان مبانيه الأصوليه لها الاثر في الفهم العرفي فالسيد مع انه كان ذا اتجاه أصولي ليس له انحراف عن الفهم العرفي فكان يمزج بينهما وكان(قدس سرّه) يُفسّر وهو متسلط على استنباطاته بهذه الطريقة في المسائل الفقهية بكليهما معاً أي عرفاً واصولاً فقوته في الاصول مؤيدة بالفهم العرفي.
ولو رجعنا إلى اهتماماته في الساحة الإسلامية نرى انه حرص على تبليغ الدين وفروع احكام الشريعة فكان له السبق بذلك حيث كان يرى من الضرورة نشر المذهب وكان يختار الوكلاء حسب المواصفات العلمية وغيرها التي يراها مؤهلة لذلك فبث الوكلاء والمبلغين في اهم نشاطاته.
اما اهتمامه بالنشاطات والشعائر الإسلامية خصوصاً الشعائر الحسينية فكان يهتم بهذا فكان يؤسس المجالس واذكر انه اسس مجلساً في كربلاء وهو يحرص ويهتم بها كثيراً.
اما ما يخطر ببالي عنه فقد ذهبنا معه إلى كربلاء في احدى ليالي الجمعة في شهر رمضان وفي منتصف الطريق ووقت الافطار جلس(قدس سرّه) وتكفّل بنفسه بتحضير الطعام وقام بخدمة الصائمين حيث كان يبغي من وراء ذلك التقرب إلى الباري عز وجل.